الثلاثاء، ١٥ سبتمبر ٢٠٠٩

حدث صباح يوم ما في كريتر

" كل نساء العالم تبدو كالطفلات مقارنة بها" ...هذا كان أنطباعه الأول حين رأها في صباح ما على بعد مئة خطوة أمامه خارجة من أحد الأزقة الصغيرة في كريتر ، في تحريف لمقولة الباحث البريطاني الذي قال يوما أن كل براكين العالم تبدو كالمفرقعات مقارنة ببركان عدن.

تذكر كلما كان يراقب مشيتها المتغالية في الأناقة قانونه الفيزيائي الأول الذي كان يعلمه لزملائه " عندما تتساوى كل الظروف والشروط فإن مشية بنات كريتر هي الأجمل في الدنيا" ، ورغم مرور الأعوام يبدو أن هذا القانون لم يتغير البتة ، كانت مشيتها الاخاذة متناغمة جدا كقصيدة ل"لطفي" على نغمات عود "قاسم" ، عرف الان أن الأثنان لم يكونا ليتعبا كثيرا في نظم القصائد أو في تأليف الألحان ، كان يكفيهما خطوات أحدى قريبات هذه الفتاة لتقفز الكلمات من ذاتها وهي موزونة و ملحنة بالفطرة.

في خطوة ما من المئة خطوة إختفى إحساسه بالجوع، لم يعد يفكر أن يشد الرحال لمقهى سكران لتناول"القراع" المكون من إقراص "المقصقص" و كوب الشاي "العيدروسي" ، كان إطلالتها لذيذة ك "خُصار" فردوسي يشبع كل الحواس ، ولم يعد يحتاج هو سوى لسيجارة ما بعد الإفطار ليكتمل كيفه النهاري.

حتى قطرات العرق التي تراكمت في جبينه أختفت في خطوة ما من المئة خطوة ، شيء ما كان يرافقها كهالة حاملة معها نسمات "برود" غارق باثار عطر "رزين" أو ربما "بخور" ، لم يكن يهتم بالمصدر لا هو و لا حتى الحجارة المتناثرة في دربها التي بدت مزهوة بعبق الرائحة أكثر منه.

في خطوة ما من المئة خطوة بدأت التفاصيل و الانثناءات في الوضوح أكثر ، كانت التفاصيل المرسومة في العباءة السوداء تختصر بطريقة مذهلة قوانين "ريمن" الهندسية حول شكل الكون ، و كان كل إنثناء فيها تصور ثلاثي الأبعاد مقتبس من قصيدة نزار " إن الأنوثة من علم ربي".

وقبل أن يفيق من تأملات الهندسة والشعر ، أطلت عينيها بشذا دنيا عسلية الرحاب، و للحظات ما فقد كل شعوره بما هو قبل المئة خطوة ، وبعد المئة الخطوة ، و اُختصرت حياته كلها لتلك الثواني الخمسين، وإذا به يهلوس ...كشيخ صوفي في لحظة تجلي:

"مدد يا عيدروس مدد" ...